نشكر الله من أجل هذه الفرصة الرائعة التي من خلالها نستطيع أن نمجد الله وأن نعلن عن هذا الإله العظيم كما قصد هو وتكلم عن نفسه في وحيه الإلهي بالكتاب المقدس. مصلين أن يرشدنا بنعمة روحه القدوس وأن يرافق كلماته لتأتي بثمر لمجده المبارك الذي له كل المجد والإكرام الى الأبد آمين.
ابنة إمام مسجد تتحدث عن رؤيتها ليسوع
التاريخ الإنساني حافل بشخصيات مؤثرة غيّرت مسار التاريخ سواء أثناء حياتها أو بعدها، فكانت ملهمة للمبدعين وخاصة للكتاب والمفكرين والشعراء، ليستحضروها على مر العصور في أعمالهم الإبداعية ويؤسسوا من خلالها لعوالم أسطورية مختلفة ضاربة في عمق الحضارة الإنسانية. ومن هذه الشخصيات المسيح، الذي كان ولا يزال رمزا دينيا وفكريا هاما، حتى أنه لا يكاد شاعر أو كاتب أو مبدع لا يستحضر هذه الشخصية المؤثرة بكل ما يتعلق بها من رموز حضارية ودينية وتاريخية.
تحت إشراف الكاتبة والصحافية التونسية المقيمة في باريس، فوزية الزواري، أصدرت دار”ديكليدو براور” الفرنسية كتابا احتوى على 12 نصا لكتاب ومثقفين من العرب المسلمين يتحدثون فيها عن رؤيتهم الشخصية للمسيح.
من بين هؤلاء الكتاب والمثقفين العرب يمكن أن نذكر الشاعر اللبناني الناطق بالفرنسية صلاح ستيتيه، والشاعرة اللبنانية ايتيل عدنان، والمفكر الجزائري الراحل جمال الدين بن الشيخ، والكاتب المصري خالد الخميسي، وكاتب هذه السطور.
في المقدمة، أشارت فوزية الزواري إلى أن الهوة بين العالم العربي والعالم الغربي تعمّقت مرة أخرى انطلاقا من حرب الخليج الأولى في مطلع تسعينات القرن الماضي لتزداد العلاقات حدة وتوترا بين المسلمين والمسيحيين.
ومع ظهور الحركات الراديكالية الأصولية مثل “القاعدة”، و”داعش”، وتكاثر الفتاوى الداعية إلى “قتل اليهود والمسيحيين”، ازدادت الأوضاع تعقيدا. لذلك كان لا بدّ من توضيح رؤية المسلمين الحقيقية للمسيح وللمسيحيين من خلال مفكريهم وكتابهم.
وتشير فوزية الزواري إلى أنّ والدها الذي كان إمام المسجد في بلدة الدهماني بالشمال الغربي التونسي كان يحدثها بإعجاب وتقدير عن السيد المسيح، وعن السيدة مريم. كما أشارت إلى أن الجرائم التي تقترفها الحركات الأصولية ضد المسيحيين العرب في مصر والعراق وسوريا، وغيرها، لا تشوه فقط صورة الإسلام والمسلمين، بل تزوّر تاريخ منطقة الشرق الأوسط التي كانت دائما وأبدا أرض التعدد الثقافي والحضاري والديني والإثني.
وفي نصه الذي حمل عنوان “المسيح وشعراؤه في الإسلام”، تحدث الشاعر اللبناني صلاح ستيتيه عن علاقته المبكرة بالسيد المسيح. فقد كان لا يزال طفلا لما اختلط بأطفال مسيحيين من بلاده كانوا يدرسون معه في “معهد سان- جوزيف” ببيروت. وقد ساعده هذا الاختلاط على التعرف على الطقوس المسيحية في الصلوات والعبادات والأعياد الدينية.
يضيف ستيتيه أن عائلته رغم أنها كانت مسلمة ومحافظة إلا أنها تتحلى بروح التسامح؛ إذ ولا مرة واحدة أظهرت أمامه نوعا من الكراهية للمسيحيين، أو النفور منهم. لكن عندما كبر، عاين أن الحروب المدمرة التي اشتعلت في منطقة الشرق الأوسط بعد الحرب الكونية الثانية، أذكت الأحقاد والضغائن بين المسلمين والمسيحيين.
ويرى الشاعر أن الحركات الأصولية المتطرفة قد استغلت كلّ هذا لتنشر خطابها الجهادي العنيف مرتكبة هنا وهناك جرائم فظيعة بحق المسيحيين العرب، راغبة في طردهم من أوطانهم الأصلية.
ويشير صلاح ستيتيه إلى أن صورة المسيح مصلوبا ألهمت العديد من الشعراء المسلمين من أهل التصوف بالخصوص مثل ابن عربي. ففي ديوان هذا الأخير “ترجمان الأشواق”، نلاحظ أن الشاعر العاشق يتعذب بحبه لله مثل المسيح مصلوبا. وفي قصيدته التي حملت عنوان “المسيح بعد الصلب”، يتصور الشاعر العراقي الكبير بدر شاكر السياب أنه يصلب في مسقط رأسه جيكور،
ويكتب قائلا:
بعدما أنزلوني سمعتُ الرياح
في نواح طويل تسفّ النخيل
والخطى وهي تنأى. إذن فالجراح
والصليب الذي سمروني عليه طوال الأصيل
لم تمتني وأنصتّ: كان العويل
يعبر السهل بيني وبين المدينة
مثل حبل يشدّ السفينة
وهي تهوي إلى القاع كان النواح
مثل خيط من النور بين الصباح
والدجى في سماء الشتاء الحزينة…
التنوع الثقافي والحضاري والديني الذي تتميز به منطقة الشرق الأوسط ثراء لها يجب الحفاظ عليه وعدم المساس به
وفي مقطع آخر من نفس القصيدة، يقول بدر شاكر السياب:
متّ كي يؤكل الخبز باسمي، لكي يزرعوني مع الموسم
كم حياة سأحيا: في كلّ حفرة
صرت مستقبلا صرت بذرة
صرت جيلا من الناس: في كل قلب دمي
قطرة منه أو بعض قطرة.
وفي قصيدة بعنوان ” يا إلهي، كنْ رحيما!”، يكتب الراحل جمال الدين بن الشيخ قائلا:
يا مسيح الله
ألا تداوي أمراضنا وعللنا
ألا تخفف من أوجاعنا واضطراباتنا
تتبعك جموع تتدفق من كل الآفاق
باتجاه مصير مظلم؟
لمَ تترك طغاة وشياطين غريبة الأطوار
تعربد وتهيمن وتسنّ الشرائع والقوانين
وتحكم بالنار وبالحديد
وتبتكر ألوانا من التعذيب
أيها المسيح هل نسيت من كنت؟
ومثل صلاح ستيتيه، اكتشفت الشاعرة اللبنانية ايتيل عدنان المسيح مبكرا، وتحديدا في الثلاثينات من القرن الماضي. في ذلك الوقت كان لبنان تحت الهيمنة الفرنسية. وكانت هي طفلة من أب مسلم، ومن أم يونانية. لذلك عاشت طفولتها بين الثقافة المسيحية والثقافة الإسلامية. ومن ذلك العالم تعلمت قيم التسامح، وتقبل الآخر، والاستفادة منه.
وترى ايتيل عدنان أن التنوع الثقافي والحضاري والديني الذي تتميز به منطقة الشرق الأوسط ثراء لها. فإذا ما تم القضاء على هذا التنوع، فإن المنطقة ستقفر من كل القيم الإنسانية النبيلة لتصبح صحراء موحشة يهيمن فيها الرأي الواحد، والفكرة الجامدة والميتة.