نشكر الله من أجل هذه الفرصة الرائعة التي من خلالها نستطيع أن نمجد الله وأن نعلن عن هذا الإله العظيم كما قصد هو وتكلم عن نفسه في وحيه الإلهي بالكتاب المقدس. مصلين أن يرشدنا بنعمة روحه القدوس وأن يرافق كلماته لتأتي بثمر لمجده المبارك الذي له كل المجد والإكرام الى الأبد آمين.
نكشف عن الهديه التى اوصى قداسة البابا شنوده بتقديمها للكاتبة فاطمه ناعوت يوم نياحته ... وهذا كان رد فعل الكاتبه
فى عيد ميلاده، ٣ أغسطس، لا أملك أن أقدّم له هدية تكافئ هديته الثمينة لى، إلا دعائى له بالرحمة والخلود فى فردوس الله العظيم.ودعائى لنا أن يعوّض مصر عنه خيرًا، ويمنحنا كثيرين أحبّوا مصر مثله، وأحبوا الَله مثله، وأشاعوا قيم التسامح والمحبة بين الناس مثلما فعل.أما هديته الثمينة لى، فقد تسلّمتها بعدما صعدت روحه إلى خالقها. تحديدًا يوم جنازته حينما ذهبتُ إلى الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، مع وفد الشخصيات العامة، لأقدّم واجب العزاء فى فقيد مصر الكبير، يوم ١٧ مارس ٢٠١٢، وبعدما سلّم علىّ الكاهن الذى رافقه طوال عمره ليرعى شؤون حياته من ملبس ومأكل، قال لى: "سيدنا البابا كان يعزّك كثيرًا، ولم يكن يفوّت لك مقالا إلا قرأه، حتى وهو فى رحلة العلاج فى كليفلاند الأمريكية، كان يسألنا يوم الاثنين عن مقالك لنقرأه له".ثم أخبرنى ألا أمضى، بعد انتهاء مراسم العزاء، قبل أن يعطينى شيئًا تركه لى قداسة البابا باسمى، وقد كان موقنًا من مجيئى لإلقاء نظرة الوداع عليه. تصوّرتُ أنه سوف يترك لى كتابًا من كتبه ممهمورًا بتوقيعه، أو قطعة قربان أو شيئًا من زيت القديسين الذى يتبارك به أشقائى المسيحيون، لكنه كان من الفطنة والحكمة وسعة الأفق والتحضر بأن ترك لى شيئًا آخر. شيئًا يُجمّع ولا يُفرّق. شىءٌ يصل كل إنسان بالسماء مهما كانت عقيدته وديانته. شيئًا ثمينًا يحبّه المسلم والمسيحى على السواء. شيئًا مطلقًا لا يخصّ ديانة بعينها، إنما يخصُّ كل العقائد معًا، لأنه أداة ذكر الله، الواحد الأحد، مهما كانت توجهات الإنسان الذى يودّ ذكر الله كما يراه.أهدانى البابا شنودة، رحمه الله، "سبحةً" كان قد ذكر اللهَ عليها كثيرًا، لأذكر أنا اللهَ عليها من بعده. هو سبّح اللهَ عليها كمسيحىّ، وأنا أسبّحُ اللهَ عليها كمسلمة. فأنّى لي أن أهديه مثلما أهدانى! وأى هدية فى الكون تكافئ هديته القيمة التي أحتفظ بها فى صدر مكتبة الأوسمة والدروع فى بيتى، تزيّن عنق تمثال للسيدة مريم العذراء، عليها وعلى ابنها السلام؟!يوم رحيله كتبتُ مقالًا عنوانه: "رحل اليومَ رجلٌ صالح". استهللته بقول النبى عليه الصلاة والسلام: "مات اليومَ رجلٌ صالحٌ، فقوموا وصلّوا على أخيكم". قالها الرسولُ حين مات "أصحمة النجاشى" ملك الحبشة، الكريمُ العادلُ الذى لا يُظلم عنده أحدٌ. وكان على الدين المسيحىّ. على أنه أكرمَ وفدَ المسلمين الذين هاجروا إليه فرارًا من عنت قريش مع أتباع الدين الجديد. ولم يكن قداسة البابا شنودة أقل تحضّرًا وكرمًا ورحمة من ذلك الملك المسيحى العظيم الذى أنقذ المسلمين من بطش قريش.كان البابا رجلا استثنائيًّا وحكيمًا ومصريًّا خالصًا. امتلكَ ناصية اللغة والأدب؛ فكان شاعرًا مبدعًا، وفيلسوفًا وكاتبَ مقال رفيعَ المستوى. امتلك ناصية الوطنية؛ فكان نِعم المصرىّ الشريف الذى أحب بلاده وتحمّل الكثيرَ من أجل استقرارها ووحدة صفّها.وامتلك ناصية الرحمة والمحبة؛ فكان نِعم الأب المُعزّىّ لأبنائه. وامتلك ناصيةَ الحكمة والسياسة؛ فعرف دائمًا كيف يحوّل أحزان الأقباط لمزيد من المحبة لإخوانهم المسلمين، بل وللمسيئين منهم. وامتلك ناصية التنسّك والتقشّف، فاعتكف فى الدير سنوات لا يبرحه، ليحيا حياة الصلاة والتأمل. مردّدًا قولته الشهيرة: "لا أريد شيئًا من هذا العالم، لأن العالمَ أفقرُ من أن يعطينى شيئًا".عاش بهدوء ورحل بهدوء كما يليق برجل دين صالح، حمل حبَّ الله فى قلبه، فأحب كلَّ خلق الله. تمامًا مثلما كان يعظ أبناءه بهدوء، لا يخلو من خفّة ظِلٍّ وسرعة خاطر فى الرد على تساؤلات الناس ومشاكلهم، وامتصاص همومهم تلك التى عرف دائمًا كيف يُبسّطها أمامهم؛ مُحوّلاً أنظارهم نحو السماء التى فيها العدل والرحمة والعزاء عمّا يلاقى المظلومُ على الأرض من ظلم الإنسان للإنسان.ترفّع دائمًا عن الصغارات والدنايا. فلم يغضب يومًا مما يُقال فى حقّه من سخافات وبذاءات يُطلقها تافهون فارغو العقل فقيرو الروح. وكان يمنع أبناءه المسيحيين من الغضب لأبيهم الروحى ورمزهم الدينىّ. حتى حين كان ينفجرُ الأمرُ في إحراق كنيسة أو قتل مسيحيين كان يردد على مسامع شعبه قولته: "كلّه للخير، مسيرها تنتهى، ربنا موجود." ثم يُصلىّ للمسيئين طالبًا من الله ألا يُقيم عليهم خطاياهم لأنهم لا يعرفون ماذا يفعلون.حملَ مصرَ فى قلبه لأنه أجاد قراءتها بعمق خلال دراسته تاريخَ مصرَ الفرعونىّ والقبطىّ والإسلامىّ، ثم التاريخ الحديث. وكان يحثٌّ أبناءه على دراسة التاريخ قائلاً إن المعرفة والإيمان والعلم لا تكتمل بغير الخبرة. والخبرةُ لا تتكوّن من تجارب الإنسان وحسب، بل عبر الاستفادة من تجارب الآخرين. وهو ما يحدث بتأمل التاريخ بما يحمل من خبرات السالفين، مردّدًا البيت الشعرى: "مَن وعى التاريخَ فى صدره/ أضافَ أعمارًا إلى عمره".عمل دائمًا على بناء كنائسَ قبطية للمصريين المسيحيين فى المهجر؛ حتى لا تذوبَ هُويتهم المصريةُ القبطية فى هويات مهاجرهم التى يحيون بينها. فكأنما بهذا يمدُّ خيوطَ المواطَنة بين أبنائه وبين وطنهم مصر، فلا يبرحونها مهما طالت تلك الخيوط وتشعّبت وتشتتت فى أرجاء الأرض.قال البابا شنودة حين أراد بعض الأقباط تدويل الملف القبطى: "إن كانت أمريكا ستحمى الكنائس فى مصرَ، فليَمُت الاقباطُ وتحيا مصر." وأنا بدورى أقول له اليومَ فى رحلته للأبدية: يا قداسة البابا إن مصر، بعد الله، هي التى ستحمى كنائسَها كما تحمى مساجدها وهياكلها. مصرُ وشرفاءُ مصرَ سيحمونها، أولئك الذين لم يفرِّق بينهم شيطانٌ ولا مُغرِض طوال ٥٠٠٠ عام.فنَمْ مستريحًا، وانعمْ بفردوس السماء، لأنك أهلٌ لذلك. طوبى لرحماء القلب. وشكرًا للرجل الذى وحّد المصريين وهو حىّ بيننا، وحين صعد للسماء، وساند اللهُ قداسة البابا تواضروس على حمل التبعة الثقيلة من بعده.
بقلم #فاطمه #ناعوت
#رجاء #محبه #علق #تم #ولايك #للبدج #ليصلك #كل #منشوراتنا